كلمة الرئيس

كلمة الرئيس

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإني أثني على الله -جل وعلا- الخير كله، وأحمده سبحانه أن بث في قلوبنا في هذه الليلة هذا الفرح في أجواء لا تبعث على الفرح، ولا شك أنَّ العلم دائمًا هو موئل السرور، وموئل السعادة؛ لأن به الصلة بالله -جل وعلا- وبكتابه، وبالنبي صلى الله عليه وسلم وبسنة محمد -عليه الصلاة والسلام.

فالحمد لله كثيرًا كما رأينا من هذه الإنجازات الكبيرة، وهذه الأرقام المشرفة، وهذا التنوع الكبير في أعداد الطلاب، وبلدانهم، ثم هذا التقييم الجيد من دراسة أكاديمية لجهود أو لأعمال الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والتعليم عن بُعد.

الحقيقة اليوم يجب أن نفخر بالعلم أكثر من ذي قبل، وأن نهتم بالعلم أكثر من ذي قبل، وأن يكون عندنا الحوافز لمثل هذا النوع من التعليم أكثر من ذي قبل؛ لأننا نرى الحاجة اليوم أشد وأشد إلى العلم الذي يعصم من الخطأ في هذا العالم الذي فيه الشبهات، وفيه الشهوات، ولا شك أن التربية الإسلامية العامة للأجيال الإسلامية الجزء الأساس فيها التزكية، تزكية النفوس، تزكية النفوس لابد أن تكون بعصمتها من الشبهات، وعصمتها من الشهوات، أو أنها إذا عرضت عليها الشبهات، فإنه يكون عليها ما به تزكي نفسها، ولا تخضع لهذه الشبهات، ولا تستجيب لها، ولا تؤثر فيها، ويكون عندها ما ترد به الشبهات في أي مجال كان، إما في الذات الإلهية، أو في أنواع التوحيد، أو في الشريعة، أو في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو في القرآن، أو في صلاحية الشريعة لكونها منهجًا متكاملاً في هذا الزمن، وكذلك التزكية تزكية النفس في ما يعرض من الشهوات في أن يكون العلم عاصمًا إما من الوقوع -وهذه نعمة من الله جل وعلا لمن حباه بذلك- أو عاصمًا من الاستمرار في ارتكاب الشهوات؛ لأن العلم يقود إلى الاستغفار، ويقوم إلى ضرورة اللجوء إلى الله ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، فلا شك أن العلم من أعظم ثمراته أنه يبقي القلب الخشية، حتى لو ضعفت حينًا لكنها شعلتها دائماً في القلب، في الخشية فتعصم، تعصم من الخطأ الكبير، تعصم من أن يكون الإنسان أسيرًا لشبهة، أو أسيرًا لشهوة، وهذا مصداق الفلاح في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس:9].

أيضًا الأكاديمية الإسلامية المفتوحة هي نموذج لمطلب تربوي، ومطلب دعوي كبير كنا نستشرفه من سنين طويلة، عشرين ثلاثين سنة، وهي توطين العلم في بلاد المسلمين جميعاً، العلم السلفي برحلاتنا في العالم، العلم ليس مستوطنًا، لا يوجد في أمريكا علماء من أمريكا، ولا يوجد في أوروبا علماء من أوروبا، ولا يوجد في بلدان هنا وهناك في أفريقيا وفي آسيا علم مستوطن منهم وفيهم، إنما في الغالب يكون قارئًا، يأتيهم ناس يدرسوا لهم، أو يقدموا هم على البلاد الإسلامية، ويأخذوا شيئاً، ثم بعضهم يعود، بعضهم يكون أسير لتغيرات كبيرة.

من فوائد التعليم الإلكتروني لهذه الأكاديمية الإسلامية المفتوحة بمنهجها الواضح الشرعي وفق أصول المنهج العلمي، وإعطاء منهج طلب العلم، أنها: توطن العلم في أماكن كثيرة من العالم، علماؤنا لا يمكن أن يصلوا إلى بلدان كثيرة، كيف يصلون المغرب؟ كيف يصلون الجزائر؟ كيف يصلون إلى ليبيا؟ كيف يصلون إلى مصر؟

كانوا في الماضي يسمعون أشرطة، والأشرطة تكون غير تفاعلية، لكن وجدت الأكاديمية فصار علماء المملكة أو من تتلمذ على علماء المملكة فصار من علماء المملكة في تخصصات مختلفة في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وأصوله، والعلوم العصرية أو المساندة صاروا فعلاً قادة للشباب في التعليم الإسلامي الرصين عن طريق المشافهة وجهاً لوجه، يسمع مباشرة ويسأل ويختبر.

هذا الإحساس عند الطرف الآخر -عند الطلاب- إحساس عالي الاستجابة من أن يسمع في شريط، ثم بعد ذلك يقيد الفوائد، وليس أمامه تفاعل، هذا التفاعل أعطاهم دفعة جديدة كبيرة في نشر أيضًا الدعوة السلفية، وفي نشر العلم السلفي، وفي نشر هذا العلم النافع، في وقت الناس لا يرغبون فيه.

هذا يقودنا إلى أن يكون هناك منهج للتعليم الإسلامي عن بُعد، لاشك أن هذه التجربة، فيه تجارب أخرى، فيه الجامعة الإسلامية المفتوحة، وفيه بعض التجارب الأخرى، لكن الآن نحتاج إلى دراسة مماثلة في أن يكون هناك منهج للتعليم الإسلامي عن بُعد، حتى يكون التجارب تدخل في نطاق واحد، أو ورشة عمل تُعمل سريعًا لتضع النقاط على الحروف، الآن العناصر الجديدة التي رأيناها في أول التقرير، عناصر التنمية، وتنمية الذات، وتنمية المهارات، وتنمية الأفكار، هذه عناصر مهمة في بناء الشخصية؛ لأنه دائماً التعليم السلفي دائماً يُقال عنه: أنه منغلق، وأنه لا يكون عنده تنمية لمهارات الذات، وإنما هو تلقي وتلقين، ثم بعد ذلك محافظة على هذه الأصول، نريد أن نرتقي بالتعليم السلفي أيضًا لهذه الأصول، وسلف الأمة هم قادة الأمة في الحقيقة قادتها بالعلم وبالعمل وبالتعبد، ثم أيضًا رباهم النبي صلى الله عليه وسلم، وربى التابعين الصحابة وهكذا، فعندنا لابد أن يكون فيه ارتقاء في مسألة مهارات الطلاب، إنما نريد أيضًا مثل ما وصفهم الذهبي في سير أعلام النبلاء، وفي زغل العلم والطلب أن يقول: هناك طلبة فيهم كودنة، أي فيهم شيء من القسوة، وعدم فهم الأمور، وعدم التفاعل مع الناس، هذه قد تعطي صورة عن المنهج سيئة، ولكن المنهج الصحيح لابد أن يكون شاملاً للتزكية للنفس، وأيضاً لتربية العقل، والتفكير في ما يعصم الإنسان في اختلاطه بالناس، فيكون عنده مثل ما وصف ابن تيمية في الواسطة، يكون عنده صواب في العلم، ويكون عنده أيضًا نزاهة في العمل، وإخلاص في العمل، ويكون عنده رحمة بالخلق، ويكون عنده قرب من العباد، وسعي في مصالح العباد.

هذا المنهج الشمولي، هو ينطلق من التربية العلمية، التربية العلمية إذا صارت شاملة يمكن أن ينطلق منها الكثير من الخير، في الزمن الماضي كان فيه قدوة، قدوة الشيخ هي التي تعطي الانطباع عند الطلاب فينطلقون بانطباع القدوة، فيرون كيف يعمل، وكيف يتعامل مع الأمور، وكيف يتعامل مع الموافق والمخالف، وكيف يتصور في الأحداث، فيأخذونه بالقدوة، لكن هذا الزمن الآن مع التعليم عن بُعد، وعدم وجود الاختلاط الكافي، وما فيه وقت عند المشايخ، ولا عند الطلاب، وزحمة المعلومات يقتضي أن يكون هناك القدوة أن تحول إلى مهارات، القدوة تحول إلى أنواع من المهارات، مهارات الذات، ومهارات التفكير، وبنية تنموية شاملة لنفس الطلاب.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والإعانة.

معالي الشيخ/ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ

دخول

..
..